"قطب العارفين" كتاب في (العقائد والتصوف)، لمؤلفه "أبو القاسم عبد الرحمن بن يوسف اللجائي" عاش في الفترة الأولى من قيام الدولة الموحدية وتوفي في حياة الخليفة الموحدي يعقوب المنصور سنة 599ه، وينسب لجبل لجاية بشمال المغرب، ويبدو لنا المؤلف من خلال كتابه هذا رجلاً متصوفاً، زاهداً في الحياة يعتبر حب الدنيا "غرر بالدين، وضعف بلإيمان، وحجاب للبصائر، ومرض للقلوب، وبُعد عن الله عز وجل، لأن حبها رأس كل خطيئة" كذلك يبدو لنا من خلال كتابه هذا فقهياً أشعرياً متشبعاً لمبادىء الأشعرية متأثراً بكتاب "المرشدة" وهي الرسالة التي لخّص فيها المهدي بن تومرت أفكاره في التوحيد، وبناها على طريقة الأشاعرة أما أهم مؤلفاته فهي "قطب العارفين" ، "كتاب شمائل الخصوص" ، "كتاب شمس القلوب".
يعتبر كتاب "قطب العارفين" أول كتاب للمؤلف اللجائي باعتباره أحد أعلام الفقهاء المتصوفة في العصر الموحدي، وقد فرغ من تأليفه في أول يوم من شهر المحرم سنة سبع وخمسين وخمس مائة ه"، وتأتي أهميته كونه يمثل جانباً مهماً من جوانب التطور العلمي الذي أصابته الثقافة المغربية بُعيد قيام دولة الموحدين، حيث ظهر المذهب الأشعري الذي روج له جملة من الفقهاء حتى عمّ وانتشر؛ وقد جاء كتاب "قطب العارفين" يعكس جانباً من هذا التطوّر. فهو كتاب في التصوف، وهو يعالج في الوقت نفسه جملة من العقائد والقضايا التي تناولها المتكلمون، كما يعكس إلى جانب هذا كله، إنتصار المذهب الأشعري في المغرب في الفترة المهمة من تاريخه. كذلك يمكن اعتبار الكتاب مادة مهمة وغنية للباحثين الذين يريدون أن يدرسوا التصوف والعقائد في هذه المرحلة التي عاشها المؤلف.
يقسم المؤلف كتابه إلى ثلاثة أقسام، أو إلى ثلاثة أقطاب كما سماها:
القطب الأول: في معرفة الله سبحانه وقد افتتحه بالتنصيص على وجوب معرفة الله فقال: "فأول الواجبات التي لا يسع العبد جهلُها معرفة الله تعالى، وما يجوز عليه، وما لا يليق به"، وهي فرض على الأعيان لا على الكفاية، وتدرك بالفطرة والعقل السليم.
أما القطب الثاني: خصه المؤلف "للرياضة والتهذيب"، ويقصد بهما قمع النفس عن الشهوات، وكبح جماحها عن الملذات، وترويضها على طاعة الله ومحبته"حتى ترى الله الله مع وجود فَقْدِ مَنْ سوى الله" حيث دعا إلى الإحتراس من الدنيا، واعتبارها "دار محنة واختبار للخلائق".ثم عقد بعد ذلك فصولاً للآداب وقسمها إلى ثلاثة أقسام: أدب مع النفس، وأدب مع الخلق، وأدب مع الحق. كذلك تحدث المؤلف في هذا الفصل عن المعارج التي يرفدها السالك ليصل إلى الحضرة القدسية.
ويأتي القطب الثالث: للحديث عن "البواطن والأسرار" وأشار فيه إلى أن حقائق التصوف وأسراره لا تنكشف إلا للعلماء الراسخين أي "للعلماء بالله الذين زهدوا في الكونين جميعاً". ثم مضى بعد ذلك للحديث عن إرتقاء الأرواح؟ وعن أحوال المشاهدة، وعلم القلوب وفضائل الزهد، ومراتب أهل الخصوص وهم "الصدّيقون والروحانيون والأبدال والأوفياء" وعن مقاماتهم عند الله – وختم الكتاب بالحديث عن "الجسور" التي يقطعها السالك للوصول إلى مقام العارفين – وهي سبعة جسور "كل جسر منها تضمن جزءاً من علل راسخة في القلب يتعذر جوازُ كل جسر إلا بعد تطهير القلب من تلك العلل".